الأربعاء، 4 فبراير 2015

هويّة المسيح قتلته


هويّة المسيح قتلته

       لم تكن حيرة بيلاطس ساعة الحكم على يسوع أعظم من تلك التي وقع فيها قيافا، عظيم الأحبار وسيّد السنهدرين.

           ألبنطي، لا يهمّه أمر هذا الشعب المتعجرف، الغارق في معتقدات سخيفة فيها من السحر والشعوزات ما يرغم على الضحك. ولا يعني له شيئاً إلههم الوحيد، المزاجي، المتربّص بكلّ تحرّكاتهم. فعنده، مع بني جنسه، آلهة كثر، ولكلّ منها اختصاص. وها هم يقذفون أمامه بواحد منهم، بسيط، فقير، ذليل، خافض الرأس، يلبس حالته المذرية، وفوق كلّ هذا يدّعي أنّه ملكهم. يقولون أنّهم لا يعترفون بملك إلاّ قيصر. هؤلاء الخبثاء، هل بات قيصر حبيبهم؟ ‍‍‍ ويقولون أنّ هذا التاعس يدّعي أنّه ابن الله. وهم، بما يقولون بأنفسهم وما يقوله هو، يطلبون صلبه.  هؤلاء الأغبياء فقدوا عقولهم. أهذا ملك؟ وكيف يمكن أن يكون هذا الشحّاذ إلهاً؟  لعلّه مجنون أكثر منهم. إنّه لا يستطيع حتى أن يدلّهم على مكان مملكته. قال " مملكتي ليست من هذا العالم"‍. لعلّه آتٍ من الفضاء‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ... مجنون ولكن لم الحيرة؟ فليمت. ومن يهتمّ؟ إنّ مشاكل هذا الشعب كثيرة، وقد يصعب في الكثير من الأحيان حلّها. أمّا هذه المشكلة، فيبدو أنّها سهلة الصرف. صحيح أنّ هذا الواقف ذليلاً أمامه لا يستحقّ الموت، ولكنّ الصلبان كثيرة، والجلجلة جاهزة، والماء لغسل الأيدي جاهز أيضاً.

           لم تكن هذه حال قيافا.
           لقد لفّته الحيرة حتى اليأس. ليس في تعاليم هذا الجليليّ ما يستحقّ الموت. لقد دعا الى المحبّة وقد يكون جباناً. قام بآيات عظيمة وقد يكون ساحراً. أمّا وقد تطاول على " موسى" بعض الشيء، فرزمة من الجلدات القاسية كفيلة بأن تردعه   ولكن، ماذا يفعل بحميّه " حننيا"؟ ذلك الصلف المزعج. ما زال يسمع زعيقه الحادّ أن " تخلّص من هذا المجدّف". "حننيا" ما زال الكبير الكبير. صحيح أنّه لولاه لما اعتلى "قيافا" –الصهر-هذا المنصب، ولكنّ هذا الكهل مزعج حقّاً. هو مقتنع أيضاً بأنّه من الأفضل أن يموت الرجل بدلاً من أن تموت الأمّة بكاملها. ولكنّ ما هي الدوافع لذلك؟ ما هي الحجج؟
           قال الرجل أنّه قادر على أن يبني الهيكل في ثلاثة أيّام إن تمّ هدمه؟ الأمر مضحك. مجنون هو، وهل يحكم على مجنون؟ سخيف قوله، وبقدر ما هو سخيف لا يمكن أن يكون سبباً للحكم عليه. لقد انتهك حرمة السبت مراراً. ولكن، من منهم لا يفعل الأمر عينه وإن في الخفاء.  لقد سمع أنّه يردّد مقولة أنّه ابن الله. لعلّه ينفي الأمر إن هو سأله عن ذلك. ولكنّه سمع أيضاً أنّه صادق، أبيّ، شهم وشجاع. فلما لا يحاول؟ فقد لا ينفي الأمر بخبث ودناءة. هو على أيّ حال ليس واحداّ من الكهنة، وهو ليس فرّيسيّ أيضاً. إن كانت أعماله لا تستوجب الحكم عليه بالموت، فقد تكون هويّته هي العذر المنتظر. سيكون الوحيد في العالم، ربّما، الّذي يحاكم على أساس هوّيته. فليكن ذلك، ألمهمّ أن يختفي زعيق "حننيا" القاتل.

           الحيرة القاتلة التي وقع فيها "قيافا" تلاشت كما الطيف بعدما سمع الردّ.  " ... وسترون ابن الإنسان جالس على يمين الآب". لقد شقّ قميصه فرحاً. فليرسل هذا الشهم الى الآلام والعذابات، الى الجلد والسخرية، الى الموت على خشبة العار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق