الأحد، 14 يونيو 2015

ترجمات جبران - كلّية الترجمة وكلّية الآداب في جامعة الروح القدس – الكسليك.

كلمة رئيس لجنة جبران
في المؤتمر الخاص بترجمات جبران
والتي نظّمته كلّية الترجمة وكلّية الآداب
في جامعة الروح القدس – الكسليك.

الأب المحترم، رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك.
عميد كلّية اللاداب
عميد كلّية الترجمة.
رئيس وأعضاء الإتحاد المترجمين العرب.
أيّها الحضور ...

ليست هي المرّة الأولى التي تقيم فيها هذه الجامعة العريقة مؤتمراً عن جبران خليل جبران وعن أمثاله من روّاد النهضة العربيّة. فمنذ أكثر من خمس سنوات كان مؤتمر أوّل هنا، في هذا الحرم التربوي والثقافي العريق، تناول حياة وأعمال جبران وجمع نخبة من دارسيه وعارفيه. اليوم، كما الأمس، يفتتح هذا الصرح مؤتمراً ثانياً، عبر كلّيتي الآداب والترجمة، ليبحث في ترجمات عديدة وبأقلام مختلفة لمؤلّفات جبران، خاصّة كتابه "النبي" والذي فاقت ترجماته الخمسين لغّة، وليلقي الضوء أيضاً على مكانة هذا الأديب الكبير في مختلف الدول والشعوب، بتعاون كريم مع إتّحاد المترجمين العرب. ونحن في لجنة جبران الوطنيّة، إذ نسارع للإلتحاق بهذا الركب الثقافي الحضاري كما نفعل اليوم، ليس فقط لأنّنا نحمل إسم جبران العالميّ، ونحتفظ بإرثه الأدبيّ والفنّي والكثير من أغراضه الشخصيّة، بل أيضاً لأن هذا المكان، هذه الجامعة، ترفع عالياً صورة رائعة عن هذا البلد الذي قال عنه البابا يوحنّا بولس الثاني أنّه رسالة للعالم مضمونها عيش مشترك بمحبّة وإخاء كبيرين.
كلّنا يعلم، ومن دون الدخول في تفاصيل تقنيّة وعلميّة، أنّ الترجمة بما هي عملية لتحويل نص أصلي مكتوب من اللغة المصدر إلى نص في اللغة الهدف، تعدّ نقلاً للحضارة، للثقافة والفكر واللغة. وهذا يعني فيما يعنيه، أنّ الترجمة تنقل المعلومة ذاتها وفكر الكاتب وثقافته وأسلوبه أيضا، وهي تعتمد على الإبداع والحس اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات مّما يمكّن جميع البشرية من التواصل والاستفادة من خبرات بعضهم البعض. هي إذاً فنّ إبداعي كانت أولى بواكيره ترجمة أجزاء من ملحمة جلجامش السومرية، وهي من بين أقدم الأعمال الأدبية المعروفة، إلى عدة لغات آسيوية منذ الألفية الثانية قبل الميلاد. وهنا تكمن أهمّية المترجم وإبداعه في عمليّة النقل هذه، وقد وضع له "الجاحظ" ضوابط أهمّها: "أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواء وغاية..." ولكن ... لا بدّ أن نعترف أن من أعظم مشاكل الترجمة هي عجز المترجم - أيا كان - في توصيل المعنى الدقيق لأية مفردة في النص الذي يريد نقله إلى لغة أخرى، وترجع هذه المشكلة إلى عدة عوامل، أهمها:
أن كل لغة تحمل في طياتها العديد من المرادفات التي تختلف في معانيها اختلافا طفيفا عن بعضها البعض. وإن كل لغة لا بد وأنها تنتمي إلى ثقافة معينة، وبالتالي فإن المترجم قد ينقل الكلمة إلى لغة أخرى ولكنه لن يستطيع أن ينقل ثقافة هذه الكلمة بشكل فعال بحيث ينقل تصور صاحب الكلمة الأصلية إلى اللغة المستهدفة في الترجمة. ثمّ إن كل لغة ذات طابع خاص في تركيب الجملة وترتيب مفرداتها (أي، القواعد) فمثلا، اللغة العربية تحمل في طياتها الجملة الاسمية والجملة الفعلية، بينما لا توجد الجملة الاسمية في اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، فكل الجمل الإنجليزية هي جمل فعلية.
هذه الصعوبات، وغيرها ممّا قد يكون قد فاتنا ذكره، لا بدّ أن كلّ مترجم لكتب جبران قد واجهها ليعاني من صعوبة نقل فكر الكاتب بأمانة. وإذ ينفرد كتاب "النبي" لكي يكون أكثر كتبه المترجمة إلى لغات شتّى، فهو ينفرد أيضاً بكونه الكتاب الذي ترجم أكثر من مرّة إلى لغة واحدة. ونحن نعرف أنّه قد ترجم إلى الفرنسيّة ثلاث مرّات على الأقلّ في دور نشر مختلفة، وعلى أيدي مترجمين مختلفين. وقد ترجم أيضاُ إلى الإيطاليّة مرّتين على الأقلّ. أمّا اللغة العربيّة فقد ترجم إليها الكتاب سبع مرّات، خلافاً للرأي السائد أنّه ترجم فقط أربع مرّات. والترجمات هذه كانت على يدّ كلّ من: الأرشمندريت طانيوس بشير وهي الأولى زمنياً وصدرت في حياة جبران وقرأها ووافق على نشرها قبل رحيله. ثمّ ثروت عكاشة الباحث والأديب المصري، ثمّ ميخائيل نعيمة الأديب المعروف، ثمّ الشاعر يوسف الخال الذي تعتبر ترجمته الأفضل على الإطلاق، والأحدث في صيغتها، أيّ الأقرب إلى الحداثة. وقد صدر كتابه عن دار النهار للنشر في أعوام السبعينات. ثمّ ترجمة العلاّمة اللبناني يوحنا قمير الذي رحل في العام 2007، وقد تكون ترجمته الأبدع لغة ونسيجاً، ولكنّه حمّل النص الجبراني أكثر مما يحتمل. فجبران أصلاً لم يكن من الأدباء الذين يولون الشكل كبير اعتناء، وثورته التي أحدثها في اللغة العربية لم تكن إلا ثورة على الأساليب الخشبيّة وعلى البلاغة والفصاحة اللتين أرهقتا اللغة العربية طوال قرون. ثمّ ترجمة الشاعر العراقي سركون بولص الذي عاش في أمريكا مثل جبران. وقد تكون الصيغة التي أنجزها سركون بولص أشد حداثة من ترجمة الخال نفسها، فقد قرأ كتاب جبران بطريقة حديثة متخطياً البعد الأخلاقي الذي يتميز به والطابع الحكمي الذي كان أحد أسباب رواجه العالمي، بعدما نقل إلى أكثر من أربعين لغة. وننقل عن موقع الفجر، أنّ سركون بولص ترجم كتاب "النبي" كنصّ وجعل من فعل الترجمة مغامرة داخل النص أولاً وفي اللغة العربية ثانياً، إنها ترجمة أمينة جداً وحرة في الحين عينه، وفيّة للنص بقدر خيانتها الجمالية له. ومَن يقرؤها يفاجأ ببعض المفردات والجمل والتراكيب التي لم يألفها في الترجمات السابقة، ناهيك عن الإيقاع الداخلي الذي يجري داخل المقاطع كالنهر. استبدل سركون بولص كلمة "المحبة" ب "الحب" متجاوزاً معظم الترجمات التي اعتمدت المفردة الأولى في ما تختزن من معانٍ تختلف عن معاني "الحب" وتأتلف معها في آنٍ واحد". 
أيّها الحضور ...
علمنا من جامعة ميريلاند، حيث كرسي جبران للقيم الإنسانيّة أنّ مؤتمراً ثانياً عالميّاً سيعقد في العام 2012 أيّ بعد حوالي السنة من الآن وفيه سيصار إلى الشروع في ترجمة جديدة لكتاب النبي إلى لغة "البابيامنتو" Papiamentu، وهي لغة الشعوب الأصليّة لجزيرة "كوراساو" التابعة سياسيّاُ لهولندا الأوروبيّة. ها إذاً لغة جديدة تضاف على اللغات التي ترجم إليها كتاب النبي لجبران ليفوق بذلك عددها الخمسين لغة. وكنّا قبل ذلك، وتحديداً في العام 1998، قد تلقّينا طلب استئذان لترجمة "النبي" إلى لغة قبيلة الزولو الأفرقيّة. يقيني أن جبران خليل جبران، أديبنا العالمي، ورائد النهضة العربيّة، سيغزو العالم بمؤلّفاته الداعية إلى المحبّة والسلام والإخاء البشري.
أخيراً، إنّي بإسم لجنة جبران الوطنيّة أتمنّى النجاح، بل أؤكّده، لهذا المؤتمر، شاكراً لجامعة الروح القدس، وكلّيتي الآداب والترجمة صنيعهما في جمعنا هنا في حدثّ ثقافيّ راقِ. وشكراً.
رئيس لجنة جبران الوطنيّة

الد. طارق الشدياق.
نيسان - 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق