الاثنين، 29 يونيو 2015

مدرسة الحياة

مدرسة الحياة. 

كلمتي في حفل تخريج طلاّب مدرسة السيّدة – حصرون. 2012.
من ساحة ماري هاسكل – متحف جبران

أيّها الحضور،
هي المرّة الأولى التي تكون فيها هذه الساحة، ساحة ماري هاسكل في حرم متحف جبران، مكان احتفال لتخريج طلاّب أحبّاء، أنهوا دراستهم الثانويّة في مدرسة عريقة، كما هي عليه مدرسة السيّدة للآباء الأنطونيّين في حصرون. ولكنّها مرّة من مثيلات لها عديدة نشعر بها أنّنا الأقرب الى فكر جبران ومحبّته الإنسانيّة الكبرى، بل ومن روح وصيّته التي نجهد، كما جاهدت اللجان السابقة، لتحقيقها منذ ما يناهز الثمانين سنة وحتى الآن. فنحن ننظر بعين الى كلّ عمل نقوم به بقصد إنجاحه، وننظر بالعين الأخرى الى وصيّة جبران ذاتها بقصد تحقيقها. نفعل هذا في كلّ نشاط نقوم به، في المعارض داخل لبنان وخارجه، في بيروت وأستراليا كما مؤخّراً، وفي أعمالنا المشتركة مع الناشر الأميركي، ومؤخّراً مع الشركة الهوليوديّة التي وقّعنا معها عقداً لإنتاج فيلم خاص بكتاب النبي. ولن أكتمك سرّاً، بأنّنا كنّا نحثّ العاملين بهذا المشروع لكي يسرعوا بتجهيز العقد، ذلك أنّنا ما كنّا لنصدّق أنّ فيلماً أمريكيا يمكن أن يتناول كتاب النبيّ مادّة أساسيّة له، وهو الكتاب الذي لا يحوي من عناصر الدراما حتى على النذر القليل. تلك العناصر التي تشدّ روّاد الصالات لحضوره. ولكن التمويل اكتمل وفاق الاثني عشر مليوناً من الدولارات، والسيناريو اكتمل وتمّ وقد اطّلعنا عليه لإبداء الرأي، وها إنّي أبشرّكم بأنكم سترون الفيلم، وستعجبون بطريقة إخراجه وإنتاجه. لقد فعلها أولئك المجانين الذي قال جبران عنهم مرّة: "لا يكسر الشرائع البشريّة إلاّ إثنين، المجنون والعبقري، وهما أقرب الناس الى قلب الله".
ولكن، ما لي أحدّثكم الآن عن شؤون وشجون اللجنة ونحن في حضرة طلاّب تنضح جباههم وتشعّ عيونهم برؤى المستقبل؟ نحن معاً لنتشارك ليس فقط فرحة النجاح، وهي الفرحة الأعمق في تاريخ البشريّة، بل لنتخطّى حتى هذه الفرحة الى فرحة تثبيت الخطوة الأولى، خطوة الدراسة الثانويّة بشهادتها الأخيرة، وبدء الخطوة القادمة حيث شهادة جامعيّة أخيرة تنتظرهم، وبعدها خطوة الدخول الى مدرسة من نوع آخر، هي مدرسة الحياة، التي تحوي الكثير من الشهادات والدرجات، ولكنّها، حتماً لا تحوي شهادة أخيرة.
أيّها الأحبّاء،
أتوجّه الآن إليكم بكلمة من القلب، إذ لا يمكن أن تمرّ هذه المناسبة من دون أن أوجّه محبّتي الى قلوبكم، وكلمتي الى عقولكم، وأن أخبركم عمّا أنشده لكم من مستقبل. ستدخلون عاجلاً أم آجلاً مدرسة الحياة التي حدّثتكم عنها، وهي مدرسة واحدة عمرها آلاف السنين. فهي سلسلة تراكمات من تجارب ومحن ومعارف وسقطات ووقفات قام بها أباؤكم وأجدادكم والسلف الغابر. وهي مدرسة العمالقة الذين حالفهم الحظّ فما غاصوا كما نفعل نحن وإن رغماً عنّا، في لظى حضارة الاستهلاك ونفاياتها المعولمة. أدعوكم الى الدخول الى هذه المدرسة من بابها الواسع، ولا تصدّقوا الأقزام الذين يدعونكم الى مدارس من نوع آخر. فمدرسة الحياة واحدة وليس لها أيّ فرع آخر. صحيح أنّنا لم نعد في زمن العمالقة، فالبيضاء بياض الثلج رحلت وما بقي سوى الأقزام. فلا تصدّقوا الأقزام مهما قدّموا لكم من إغراءات. هم صغار ومهما علت أصواتهم لن تتخطّى رنين الصنج. عودوا الى المدرسة الحقّ، مدرسة السلف المارد العملاق وانهلوا من تجاربه ومعارفه. وتذكّروا دائماً أنّ نبح الكلاب لا يضرّ بالسحاب، فكونوا السحاب، وأنّ البئر دائماً أبقى من الرشاء، والرشاء هو هو المدرسة الواحدة، مدرسة الحياة التي أتابع الحديث عنها.
مثالنا في هذه المدرسة واضح جليّ. إنّه جبران نفسه. فجبران ما ضيّع وقتاً ولهذا بقي حيّاً بعد ثمانين سنة من وفاته. لقد أظهر النعمة التي تلقّاها نوراً يضيء في زمن اللهث وراء كلّ شيء إلاّ النور. هو غيره العالم، تماماً كما الكثير من الفلاسفة النهضويّين، الألمان أو الفرنسيّين، من أمثال ألبير كامو الذي ما وجد حلاّ لإنسانه هذا المجهول ليواجه به قدره، بل ويتحدّاه، سوى التضامن مع أخيه الإنسان ومحبّته. عن هذه المدرسة أحدّثكم أيّها الأحبّاء.
ولكي ندرك كنه مدرسة الحياة انظروا حواليكم الى هذا الجبل. انظروا الى الجلالي التي صنعها الأجداد لاستغلالٍ أكبر للأرض. لقد ذكرت لنا كتب التاريخ عن عظمة هذا الفلاّح ما ذكرت، ولكنّها نست أن تقول لنا أّنّه ليس ابن سهل. ففي السهول لا يوجد جلالي. وهو ليس ابن ساحل، فلا جلالي أيضاً في الساحل. إنّه ابن جبل، ابن جرد. إنّهم أيّها الأحبّاء يتكلّمون عن أجدادكم. ونسوا أيضاً أن يقولوا لنا في كتب التاريخ أنّ الجبل ليس قطعةً معلّقة في الهواء. وليس صحيحاً أنّ أهمّ ما فيه هي قمّته. بل الجبل في سفحه الواسع وفي واديه. فلا جبل من دون وادٍ، ولا القمّة سوى مكان الراحة بعد جرأة الخروج من الوادي وعناء تسلّق السفح. ولهذا الجبل من حولنا وادٍ سحيق، واسع، عريض، فاغرً فاه كما المبخرة، هو وادي قنّوبين. وفيه قبع شعب، هم أجدادكم، مدّة أربعمئة سنة حينما كانت الحروب تدور من حولهم. حروب طائفيّة ومذهبيّة وأصوليّة. بقي هذا الشعب مقبوعاً في هذا الوادي حتى ليخيّل للناظر الى المشهد عن بعد أنّه انقطع عن العالم، وانعزل عنه. ولكن الأعجوبة الكبيرة التي خطّط لها أن تحصل، هي أنّ هذا الشعب خرج من واديه حاملاً مشعل النهضة منذ أكثر من مئة وخمسين سنة. عن هذه المدرسة أحدّثكم أيّها الأحبّاء، مدرسة الحياة الفريدة التي لا شريك لها.
أيّها الطلاّب الأحبّاء،
يخيّل إليّ أنّ التاريخ يعيد نفسه بظروف مختلفة. فهو، في وسط ما يدور حولنا من ثورات وحروب واستفزازات مذهبيّة، يدعونا لحمل مشعل النهضة من جديد. فلنحمله جميعاً ولنعيد مبادئ الأجداد من عدالة ومساواة واحترام للآخر وحرّية التعبير وحرّية المعتقد والحقوق الإنسانيّة والاجتماعية والتربويّة، من مثل مجّانية التعليم وإلزاميّته. ولندعو كما فعل الأجداد بكلّ هذه المبادئ ليس لنا فقط بل لكلّ الناس. انضموا إذاً أيّها الأحبّاء الى هذه المدرسة، مدرسة الحياة. واختاروا هدفكم بما ترغبون أن تصلوا إليه. فليس قيمة الأنسان بما يبلغ إليه بل بما يتوق للبلوغ إليه. ولا تخافوا من عدم إيجاد الهدف. فالهدف سيأتي لا محالة إذ، كلّ تنّين يلد مار جرجس ليقتله.
أكرّر التهنئة لكم، باسمي واسم الأعضاء في لجنة جبران الوطنيّة، ونكرّر التهنئة لمدرستكم العريقة ولكلّ الهيئة التعليميّة التي أعطتكم من محبّتها وإيمانها. والتهنئة مكرّرة أيضاً لأهاليكم، علّنا نلتقي معاً بعد حين في إنجازاتكم المستقبليّة.

د. طارق شدياق.

تمّوز 2011

الأحد، 14 يونيو 2015

ترجمات جبران - كلّية الترجمة وكلّية الآداب في جامعة الروح القدس – الكسليك.

كلمة رئيس لجنة جبران
في المؤتمر الخاص بترجمات جبران
والتي نظّمته كلّية الترجمة وكلّية الآداب
في جامعة الروح القدس – الكسليك.

الأب المحترم، رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك.
عميد كلّية اللاداب
عميد كلّية الترجمة.
رئيس وأعضاء الإتحاد المترجمين العرب.
أيّها الحضور ...

ليست هي المرّة الأولى التي تقيم فيها هذه الجامعة العريقة مؤتمراً عن جبران خليل جبران وعن أمثاله من روّاد النهضة العربيّة. فمنذ أكثر من خمس سنوات كان مؤتمر أوّل هنا، في هذا الحرم التربوي والثقافي العريق، تناول حياة وأعمال جبران وجمع نخبة من دارسيه وعارفيه. اليوم، كما الأمس، يفتتح هذا الصرح مؤتمراً ثانياً، عبر كلّيتي الآداب والترجمة، ليبحث في ترجمات عديدة وبأقلام مختلفة لمؤلّفات جبران، خاصّة كتابه "النبي" والذي فاقت ترجماته الخمسين لغّة، وليلقي الضوء أيضاً على مكانة هذا الأديب الكبير في مختلف الدول والشعوب، بتعاون كريم مع إتّحاد المترجمين العرب. ونحن في لجنة جبران الوطنيّة، إذ نسارع للإلتحاق بهذا الركب الثقافي الحضاري كما نفعل اليوم، ليس فقط لأنّنا نحمل إسم جبران العالميّ، ونحتفظ بإرثه الأدبيّ والفنّي والكثير من أغراضه الشخصيّة، بل أيضاً لأن هذا المكان، هذه الجامعة، ترفع عالياً صورة رائعة عن هذا البلد الذي قال عنه البابا يوحنّا بولس الثاني أنّه رسالة للعالم مضمونها عيش مشترك بمحبّة وإخاء كبيرين.
كلّنا يعلم، ومن دون الدخول في تفاصيل تقنيّة وعلميّة، أنّ الترجمة بما هي عملية لتحويل نص أصلي مكتوب من اللغة المصدر إلى نص في اللغة الهدف، تعدّ نقلاً للحضارة، للثقافة والفكر واللغة. وهذا يعني فيما يعنيه، أنّ الترجمة تنقل المعلومة ذاتها وفكر الكاتب وثقافته وأسلوبه أيضا، وهي تعتمد على الإبداع والحس اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات مّما يمكّن جميع البشرية من التواصل والاستفادة من خبرات بعضهم البعض. هي إذاً فنّ إبداعي كانت أولى بواكيره ترجمة أجزاء من ملحمة جلجامش السومرية، وهي من بين أقدم الأعمال الأدبية المعروفة، إلى عدة لغات آسيوية منذ الألفية الثانية قبل الميلاد. وهنا تكمن أهمّية المترجم وإبداعه في عمليّة النقل هذه، وقد وضع له "الجاحظ" ضوابط أهمّها: "أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواء وغاية..." ولكن ... لا بدّ أن نعترف أن من أعظم مشاكل الترجمة هي عجز المترجم - أيا كان - في توصيل المعنى الدقيق لأية مفردة في النص الذي يريد نقله إلى لغة أخرى، وترجع هذه المشكلة إلى عدة عوامل، أهمها:
أن كل لغة تحمل في طياتها العديد من المرادفات التي تختلف في معانيها اختلافا طفيفا عن بعضها البعض. وإن كل لغة لا بد وأنها تنتمي إلى ثقافة معينة، وبالتالي فإن المترجم قد ينقل الكلمة إلى لغة أخرى ولكنه لن يستطيع أن ينقل ثقافة هذه الكلمة بشكل فعال بحيث ينقل تصور صاحب الكلمة الأصلية إلى اللغة المستهدفة في الترجمة. ثمّ إن كل لغة ذات طابع خاص في تركيب الجملة وترتيب مفرداتها (أي، القواعد) فمثلا، اللغة العربية تحمل في طياتها الجملة الاسمية والجملة الفعلية، بينما لا توجد الجملة الاسمية في اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، فكل الجمل الإنجليزية هي جمل فعلية.
هذه الصعوبات، وغيرها ممّا قد يكون قد فاتنا ذكره، لا بدّ أن كلّ مترجم لكتب جبران قد واجهها ليعاني من صعوبة نقل فكر الكاتب بأمانة. وإذ ينفرد كتاب "النبي" لكي يكون أكثر كتبه المترجمة إلى لغات شتّى، فهو ينفرد أيضاً بكونه الكتاب الذي ترجم أكثر من مرّة إلى لغة واحدة. ونحن نعرف أنّه قد ترجم إلى الفرنسيّة ثلاث مرّات على الأقلّ في دور نشر مختلفة، وعلى أيدي مترجمين مختلفين. وقد ترجم أيضاُ إلى الإيطاليّة مرّتين على الأقلّ. أمّا اللغة العربيّة فقد ترجم إليها الكتاب سبع مرّات، خلافاً للرأي السائد أنّه ترجم فقط أربع مرّات. والترجمات هذه كانت على يدّ كلّ من: الأرشمندريت طانيوس بشير وهي الأولى زمنياً وصدرت في حياة جبران وقرأها ووافق على نشرها قبل رحيله. ثمّ ثروت عكاشة الباحث والأديب المصري، ثمّ ميخائيل نعيمة الأديب المعروف، ثمّ الشاعر يوسف الخال الذي تعتبر ترجمته الأفضل على الإطلاق، والأحدث في صيغتها، أيّ الأقرب إلى الحداثة. وقد صدر كتابه عن دار النهار للنشر في أعوام السبعينات. ثمّ ترجمة العلاّمة اللبناني يوحنا قمير الذي رحل في العام 2007، وقد تكون ترجمته الأبدع لغة ونسيجاً، ولكنّه حمّل النص الجبراني أكثر مما يحتمل. فجبران أصلاً لم يكن من الأدباء الذين يولون الشكل كبير اعتناء، وثورته التي أحدثها في اللغة العربية لم تكن إلا ثورة على الأساليب الخشبيّة وعلى البلاغة والفصاحة اللتين أرهقتا اللغة العربية طوال قرون. ثمّ ترجمة الشاعر العراقي سركون بولص الذي عاش في أمريكا مثل جبران. وقد تكون الصيغة التي أنجزها سركون بولص أشد حداثة من ترجمة الخال نفسها، فقد قرأ كتاب جبران بطريقة حديثة متخطياً البعد الأخلاقي الذي يتميز به والطابع الحكمي الذي كان أحد أسباب رواجه العالمي، بعدما نقل إلى أكثر من أربعين لغة. وننقل عن موقع الفجر، أنّ سركون بولص ترجم كتاب "النبي" كنصّ وجعل من فعل الترجمة مغامرة داخل النص أولاً وفي اللغة العربية ثانياً، إنها ترجمة أمينة جداً وحرة في الحين عينه، وفيّة للنص بقدر خيانتها الجمالية له. ومَن يقرؤها يفاجأ ببعض المفردات والجمل والتراكيب التي لم يألفها في الترجمات السابقة، ناهيك عن الإيقاع الداخلي الذي يجري داخل المقاطع كالنهر. استبدل سركون بولص كلمة "المحبة" ب "الحب" متجاوزاً معظم الترجمات التي اعتمدت المفردة الأولى في ما تختزن من معانٍ تختلف عن معاني "الحب" وتأتلف معها في آنٍ واحد". 
أيّها الحضور ...
علمنا من جامعة ميريلاند، حيث كرسي جبران للقيم الإنسانيّة أنّ مؤتمراً ثانياً عالميّاً سيعقد في العام 2012 أيّ بعد حوالي السنة من الآن وفيه سيصار إلى الشروع في ترجمة جديدة لكتاب النبي إلى لغة "البابيامنتو" Papiamentu، وهي لغة الشعوب الأصليّة لجزيرة "كوراساو" التابعة سياسيّاُ لهولندا الأوروبيّة. ها إذاً لغة جديدة تضاف على اللغات التي ترجم إليها كتاب النبي لجبران ليفوق بذلك عددها الخمسين لغة. وكنّا قبل ذلك، وتحديداً في العام 1998، قد تلقّينا طلب استئذان لترجمة "النبي" إلى لغة قبيلة الزولو الأفرقيّة. يقيني أن جبران خليل جبران، أديبنا العالمي، ورائد النهضة العربيّة، سيغزو العالم بمؤلّفاته الداعية إلى المحبّة والسلام والإخاء البشري.
أخيراً، إنّي بإسم لجنة جبران الوطنيّة أتمنّى النجاح، بل أؤكّده، لهذا المؤتمر، شاكراً لجامعة الروح القدس، وكلّيتي الآداب والترجمة صنيعهما في جمعنا هنا في حدثّ ثقافيّ راقِ. وشكراً.
رئيس لجنة جبران الوطنيّة

الد. طارق الشدياق.
نيسان - 2011

الخميس، 4 يونيو 2015

حوار مع رئيس "لجنة جبران الوطنيّة" (جريدة الشرق)



حوار مع رئيس

"لجنة جبران الوطنيّة"

عن زيارة سلمى حايك للبنان.

نشر هذا الحوار على صفحات جريدة الشرق. العدد 19800.

 (كما نشر في مجلّة نادين – العدد 1789 – 4 – 10 أيّار)

فدوى الرفاعي

 

عشية زيارة سلمى حايك ...«الشرق» تحاور رئيس لجنة جبران د. طارق شدياق: سلمى حايك منتج منفذ لفيلم «النبي»  وستطلقه الاثنين في بيروت. 10 مخرجين في فيلم «النبي» أبرزهم Roger Allers مخرج فيلم  Lion King's و15مليون دولار ميزانية إنتاج الفيل.

أسئلة كثيرة طرحناها على د. طارق شدياق رئيس "لجنة جبران الوطنية" عشية حضور الممثلة العالمية سلمى حايك للمرة الأولى الى بلدها الأصل لبنان، وتطرّق الى تفاصيل تصوير فيلم "النبي" الذي ستطلقه حايك في بيروت، وأثار في حوارنا معه تفاصيل معاناة اللجنة وحرصها الدائم للحفاظ على مقتنيات "متحف جبران" في بشري، كذلك تحدث عن إرث الأديب الراحل جبران خليل جبران من لوحات ومخطوطات وكتب، والذي تحرص اللجنة على الحفاظ عليه، وتعمل على خط متواز لنشر ثقافته في لبنان والعالم.
معه هذا الحوار في مكاتب " لجنة جبران الوطنية" في بدارو:

* متى تأسست "لجنة جبران الوطنية"؟
- تأسست اللجنة في العام 1934 يعني صار عمرها تقريباً 81 سنة، وهي تتابع كل أعمال جبران وإرثه الأدبي الذي تركه لضيعته، وتهتم بصيانته وتنشر كتبه في لبنان والعالم، وتساعد وتتعاون مع آخرين، ومنهم البلدية في بشري، بأي مشروع إنمائي وسياحي.

* كيف تحصل اللجنة على التمويل لإتمام كل هذه الأعمال؟
- لدينا حقوق مالية من كتب جبران في أميركا، ولدينا عقارات نستفيد من رسوم إيجاراتها، بالإضافة الى المتحف في بشري والذي له أيضاً إيراداته الخاصة، وبالمقابل ندفع لصيانته وترميم اللوحات وصيانة الإرث.

* وتستفيدون من بيع بطاقات الدخول الى المتحف؟
- رسم الدخول زهيد، ولكننا نعتبره أحد المداخيل التي تدعم عمل اللجنة.

* ما هو نوع العقارات التي تستفيدون من رسوم إيجاراتها؟
لدينا أبنية وشقق تعود ملكيتها للجنة...

* كيف حافظت اللجنة على استمراريتها مع مرور كل هذه السنوات؟
- بحسب نظامنا الداخلي، يتم انتخاب لجنة جديدة كل 4 سنوات، وكل اللجان عملت لتأسيس مشاريع تكسبها إيرادات ثابتة، وقامت بنشاطات ثقافية عديدة، وعدد اللجان المتعاقبة يبلغ 14 أو 15 لجنة، والرئيس لا يُعاد انتخابه، لتجنّب استغلال رئاسته لأغراض شخصية. وهدف اللجنة هو نشر فكر جبران في لبنان والعالم، ونحن نقيم ندوات ومحاضرات ومعارض، وأقمنا معرضاً في أستراليا، وفي البرازيل، وعقدنا مؤتمراً في أميركا، وشاركنا في معرض في فرنسا، ونظمنا يوماً طويلاً في الصين، وفي لبنان نتواصل مع كل الجامعات والمنظمات الأهلية، وزيارة الممثلة سلمى حايك للمرة الأولى الى لبنان لإطلاق فيلم "النبي"، تندرج أيضاً ضمن إطار عملنا في نشر فكر جبران، ولكن هذه المرة عبر السينما.

 
* كم لوحة لجبران تملكون؟

- نملك 440 لوحة، وكلها كانت موجودة في أميركا، وجبران كتب في وصيته أنه سيقدم هذا الإرث الفني لبلدته بشري، ومن هذا المنطلق استقدمناها الى لبنان، وهذه اللوحات تُعتبر ثلثي عدد اللوحات التي رسمها جبران والموجودة في كل العالم، فكارلوس سليم مثلاً يملك في المكسيك 100 لوحة لجبران، أيضاً متحف "تلفير" في أميركا يملك 100 أو 110 لوحات، أي أن إجمالي عدد اللوحات يبلغ حوالى 650 أو 700 لوحة، ونحن نملك الثلثين أي 440 لوحة، وهذه اللوحات صار عمرها 100 سنة، وتحتاج لصيانة وترميم بشكل دائم، وجبران كان يرسم بالفحم على الورق، فكيف سيكون حال اللوحة بعد مرور 100 سنة؟ ونحن لحد الآن قادرون على إتمام مسؤولياتنا في هذا المجال.

* اللوحات التي تملكونها موجودة كلها في المتحف في بشري.
- صحيح.

* وهي غير معروضة للبيع؟
- نحن لا نبيع لأنه إرث ونحرص على الحفاظ عليه، ونتمنى ألا نحتاج لبيعها، لأننا نقدّر قيمة هذا الفن العظيم، ونتيح الفرصة لزوار المتحف للاطلاع عليه.

* ماذا عن كتب ودواوين جبران؟
- لدينا مخطوطات أصلية، فهو كان يدّون على دفاتر وليس على الورق، وكلها معروضة في المتحف. وكما هو معروف، جبران نشر وطبع كتبه باللغة الانكليزية في أميركا، وكان يطبع كتبه باللغة العربية في بيروت ومصر أو في مطابع الصحف العربية التي كانت تصدر في أميركا. بالنسبة للكتب، نملك حقوقاً من بيع كتبه، لكن ليس في كل العالم، لأنه بعد وفاة المؤلف ولمدة معينة من الزمن، تسقط الحقوق، وفي أميركا جدّدوا لنا حقوقنا، بينما في فرنسا سقطت حقوقنا، يعني أي شخص يستطيع ترجمة كتاب "النبي" مثلاً الى اللغة الفرنسية وبيعه من دون العودة إلينا، وأيضاً في لبنان سقطت حقوقنا، وعدد كبير من دور النشر تطبع كل كتبه، ولا نملك حقوقاً عليها، ونحن كلجنة قادرون على طباعة كتب وتضمينها صوراً ولوحات كثيرة، وسنفعل ذلك. ولا مانع لدينا في نشر ثقافة جبران في لبنان، حتى لو كانت بعض دور النشر تطبع هذه الكتب برداءة واضحة، وهذه الناحية ناقشناها مع الدولة اللبنانية لكن من دون جدوى.

* جبران كان يتقن فقط الكتابة باللغتين العربية والانكليزية؟
-كان لديه 16 كتاباً، 8 باللغة العربية، و8 باللغة الانكليزية، وكتاب كان يتضمن 20 لوحة وطبعه في العام 1918، وتوجد إمكانية لدينا لطباعة مقالاته والتي نملكها على شكل مخطوطات، وسبق أن طبعنا في العام 2010 كتاباً جعلنا عنوانه "أقلب الصفحة يا فتى"، واخترنا فيه ثلث المخطوطات باللغة العربية، وعقدنا حينها مؤتمراً صحافياً في الأونيسكو لإطلاقه، واليوم نملك الكثير من المخطوطات، ولكن لن ننشرها إلا بعد التدقيق والتحقق منها، وهذه المهمة تتولاها لجنة خاصة مؤلفة من أدباء لبنانيين، وهي التي تقرر جدوى نشرها.

* ما هي المواصفات المطلوبة في اختيار أعضاء »لجنة جبران الوطنية«؟
- جبران أوصى أن يكون الأعضاء من بشري، ونحن بدورنا نحرص على أن يكون العضو أهلاً لهذه المهمّة، وكلنا في اللجنة نعمل بشكل تطوعي ولا نتقاضى أجوراً.



* بالعودة الى الكلام عن فيلم "النبي"، كيف تم التواصل معكم للموافقة على تصويره؟
- عام 2008، كان ذكرى مرور 125 عاماً على ولادة جبران، وتحت هذا العنوان "اليوبيل الـ 125 لولادة جبران"، نظمنا عدداً كبيراً من النشاطات في لبنان والخارج مثل فرنسا وكندا وأندونيسيا، وخطرت ببالنا فكرة الدخول الى عالم السينما لنشر فكره، ومحامي اللجنة لديه مكتب يختص بحقوق الفردية والملكية والإبداع، ولديه مكتب في أميركا، فسافر الى هناك وطرح الفكرة على محامٍ أميركي إسمه ويليام نيكس، ووافق وتأسست في ما بعد لجنة إنتاج خاصة لجبران، ووافقت على تصوير فيلم خاصّ بكتاب "النبي". بالمناسبة، توجد مشاريع سينمائية أخرى، المهمّ، بدأت المفاوضات بين هذه الشركة التي تأسست وبيننا، ونقلنا إليها إصرارنا على إيصال الرسالة التي أراد جبران نشرها كما هي ومن دون تحريف، وأقصد القول كلامه عن المحبة والسلام والاخاء البشري والزواج والأولاد والشرائع والدين والموت، فنحن نعلم أن صنّاع السينما قد يضيفون من خيالهم على المحتوى الكثير لجذب المشاهد، ولم نتدخل في أي تفاصيل سوى عدم تحريف رسالته، والمفاوضات كانت بطيئة لأننا كنا ندقق ببعض التفاصيل، وفي العام 2012 وقّعنا على العقد، وبدأت شركة الانتاج تبحث عن تمويل ومخرج، وكانت فرحتنا كبيرة حين علمنا أن سلمى حايك تبنّت المشروع إنتاجاً، فهي منتج منفذ أي أنها تدقق في كل التفاصيل، وأيضاً وضعت صوتها على "كاراكتير" مهم في الفيلم.

* الفيلم كارتوني، لماذا؟
- كتاب "النبي" يحكي عن رجل حكيم يجيب عن أسئلة تُطرح عليه، فهو ليس مادّة دراميّة ليكون فيلماً كلاسيكيّاً. وتم اختيار فكرة الفيلم الكارتوني لإضافة جمالية معينة على القصة بعيداً عن الكلاسيكية تلك، وهذا الأمر لن ينطبق على فيلم خاص عن سيرته حين سنقرّر ذلك.

* مشروع الفيلم بدأ في العام 2012، فمتى بدأ تنفيذه؟
- انتهى تصويره في العام الماضي، وعمل فيه أكثر من مخرج بينهم مخرج إماراتي هو محمد سعيد، وعدد المخرجين تقريباً يبلغ 10 وهم من عدة دول، وأبرزهم هو المخرج الأميركي روجر أليرس الذي سبق أن تولى إخراج فيلم  Lion King?s، وغبريال يارد وضع الموسيقى التصويرية للفيلم وهو لبناني، وسلمى حايك كذلك من أصل لبناني، وأحد مموّلي الفيلم وهو بنك FFA للتسليف، بالاضافة الى شركة "فتح الله" اللبنانية الموزعة للفيلم في لبنان والشرق الأوسط.

* كم بلغت ميزانية إنتاج الفيلم؟
- تقريباً بين 12 و15 مليون دولار أميركي.

* من سيستفيد من إيراداته؟
- نحن لنا جزء قليل لأننا سنتقاضى حصة الكاتب..

* هل تم عرض الفيلم عالمياً؟
- نحن في مرحلة إطلاقه، وتم الاعلان عنه في المرة الأولى خلال مهرجان "كان" السينمائي في فرنسا العام الماضي حيث جرى عرض بعض المشاهد من الفيلم للترويج له، والقيّمون على المهرجان سيقررون ما إذا كان سيعرض هذا العام فيه، وتم عرضه كذلك في دبي وبلغاريا، وحالياً في لبنان.

* ما هي العناوين العريضة لزيارة سلمى حايك الى بيروت؟
- إطلاق الفيلم هو هدفها الأول، وستزور متحف جبران والبلدة التي وُلد فيها جبران، وهي وصلت يوم أمس الجمعة، وستغادر يوم الثلاثاء المقبل، ويوم السبت ستزور جمعية "سانت جود" التي تُعنى بالأطفال المرضى بالسرطان، ويوم الأحد ستكون في بشري، وستعقد الاثنين مؤتمراً صحافياً في الساعة 10.30  صباحاً في فندق 1866Court & Suites  مقابل الـ AUB  وليلاً عند الساعة 6 مساء، ستحضر العرض الأول للفيلم في "سينما سيتي" في أسواق بيروت.

* جرى التنسيق معكم قبل اتخاذ القرار بحضورها الى بيروت؟
- صحيح، لأننا سنطلق معاً الفيلم، ويوم الأحد ستجول في متحف جبران، وستكتب كلمة في الكتاب الذهبي الخاص بالمتحف..
 
* ما هي الصعوبات التي تواجهونها كلجنة للحفاظ على الاستمرارية؟
- الصعوبات مادية بالدرجة الأولى ولكنّنا نقوم بالواجب كاملاً حتى الآن. لدينا 440 لوحة، وأي لوحة تكلف بين 3 و5 آلاف دولار أميركي لصيانتها وترميمها، وندفع حوالى 200  ألف دولار سنوياً لإتمام هذه العملية، أيضاً نهتم بصيانة المتحف، فهو كناية عن دير قديم عمره أكثر من 400 سنة، ومحفور في الصخر، بناه الرهبان النساك بعد حفر الصخر لبناء غرف، وهكذا تم بناء الدير كله، وهو أثري بحد ذاته فضلاً عن أنه تحوّل الى متحف، وصيانته مكلفة جداً بسبب النش والرطوبة والثلج، واللوحة تحتاج لحفظها بدرجة حرارة 20، ورطوبة 50 بالمئة، وموتور الكهرباء يعمل 24/24..

* الايرادات التي تستفيدون منها لا تغطي التكاليف؟
- بالكاد، ولكنّنا نتلقّى دائماً الهبات من مهتمّين. جبران موجود في 111 دولة في العالم سواء في ساحات عامة وحدائق بإسمه وشوارع ونصب تذكارية ومدارس وجامعات وخصوصاً في أميركا، حيث في كل ولاية يوجد شيء لجبران، كما يوجد كرسيان جامعيان في ميريلاند ونيويورك لتخريج متخصصين في ثقافته، وبكل أسف أقول إن جبران غائب في لبنان والدول العربية في وقت نحن نحتاج فيه الى أفكاره عن السلام والمحبة.. أفكار جبران غيّرت في المجتمع الأميركي، ورؤساء جمهورية هناك استشهدوا بأقواله أمثال جون كيندي ومؤخراً أوباما، ونظرتهم إليه مشرّفة لنا لأنه لبناني وأحد رواد النهضة، وأنا أريد أن أوجه عتباً لوزارة التربية لأنها لا تهتم بدعم ثقافته.

* لماذا لا تطلبون من الدولة اللبنانية الإشراف على متحف جبران طالما أنه يحتاج الى مبالغ كبيرة لتمويله؟
- نتمنى أن تساعدنا الدولة. إنّ 80 ألف زائر يقصدون متحف جبران سنوياً، ونصفهم غير لبنانيين، وهذا يعني فيما يعنيه، أنّ المتحف أصبح متحفاً وطنياً ولم يعد لفئة معينة.

* لماذا لا تطالبون بنقل المتحف الى منطقة أخرى؟
- المتحف، وبحسب وصيّة جبران، وجد لكي يكون في بشرّي. وسيبقى هناك. ولكن هذا لا يعني أنّنا لا نهتمّ بإيجاد مثيل له في أمكنة أخرى، القصد منها تعريف الناشئة على فكر جبران. أكثر ما تهمنا هي بيروت، ونحن فكرنا في هذا الأمر، ولكننا واجهنا صعوبات كثيرة لأننا لا نملك القدرة على دفع بدل إيجار عالٍ، ونوافق على أن تأخذ الدولة من ريع هذا المتحف المماثل وتعطينا نسبة معينة، فنحن نعجز عن دفع ملايين الدولارات للإيجار لأن المتحف يحتاج الى مساحة كبيرة جداً لعرض نسخ من اللوحات وغيرها، والدولة تملك أبنية خاصة، وبوسعها مشاركتنا كمستثمر، ونحن اليوم نطرح صوتنا عبركم لوزارات السياحة والثقافة والتربية لإنشاء متحف جبران آخر في بيروت، في إطار جديد، ولأهداف محدّدة.