الأحد، 1 فبراير 2015

حُمّلت دوراً منذ ولادتك


 
 
 
 
حُمّلت دوراً منذ ولادتك
 
            إذ يشبك الرجل يديه تحت ذقنه يسندها، جالساً على أريكة الإنتظار اللاينتهي، متّكئاً بذراعيه على ركبتيه المطويّتين، وحاسباً الوقت دقّات تتناسب والآهات الصادرة من الغرفة المجاورة حيث زوجته، وإذ ينحني الى الأمام كالمستعدّ الدائم للتأهّب قفزاً والمثول أمام سرير الحدث، ساعة ينفتح الباب للابسة الثوب الأبيض، المسمّاة بحقّ، ملاك الرحمة، والباسطة ساعديها الى فوق بالقفّازات المطّاطيّة. 
وإذ تلتقط الزوجة الفراش من تحتها في الغرفة المغلقة، فتغرز أظافرها في الغطاء ألماً واختناق، علّها تصرخ الصرخة المنتظرة، التي سيتبعها صرخة ناعمة، فيها من ثغاء الحمل الرضيع براءته، ومن وشوشات أوراق نيسان خفرها، تلك التي تحدثها نسائم ولادة الأرض من جديد.  وإذ ترفع الأمّ رأسها الى الأعلى من على وسادة نديّة بعرق الصبر الأليم، وانقباضات الجسد المتكرّرة، يكون الحدث قد اقترب أوانه، لا بل الساعة أتت: إنّ طفلاً سيولد.        
           وبينما يروح الجميع، في لحظة الحدث، ينظرون الى الوليد في كلّ مكان من جسمه، وعلى شفاههم ابتسامات الرضى، فيترصّدون جماله، سماره أو بياضه، لون عينيه وشعره وطول قامته، ويرصدون حركات يديه السريعة، وركلات ساقيه الى الأعلى في كلّ اتجاه، يسمعون صراخه فيضحكون، بل يحثّونه على الصراخ من جديد إن هو همد، فينكزونه بإصبع، أو يقرصونه على الفخذ، يكون الله قد ختم في روح هذا الطفل الدور المعدّ له، في مخطّطه الخلاصي.
           وإذ يكون الكلّ على شفاه تبتسم لبكاء المولود الجديد، البكاء المنتظر طويلاً، يتندّرون فيمن يشبه من والديه، تبدأ لحظة الإفتراق عن القصد الإلهي في بناء الفردوس. فالطفل عند الله بنّاء فردوس مفقود، وهو عند الأهل مدعاة افتخار. وما من أحد يسأل عن دور المولود في مسيرة الخلاص، ولا من يرجو القدرة على إتمام هذا الدور، وكأنّ الله يعمل وحده في عمليّة إنقاذ البشر، أبنائه، أو كأنّ لا شركة لهم بها. وما من أحد يتمثّل " سمعان الشيخ" ذاك البار الّذي، في هيكل الله، رفع يسوع بين يديه، فعرف مدى العذاب الّذي سيلاقيه لإتمام الرسالة، فتنبّأ بهول المصير، ثمّ رنا مريم بنظرة عطف، وأبان لها السيف الّذي سيغرز في قلبها.
           ولكن الله حكمة على الإطلاق ... إنّه المحبّة التي تفوق كلّ محبة، وهو القدرة التي ما بعدها قدرة ... فإن أشحنا بالنظر عن أدوارنا لا يغيّر الدور في مسيرته شيئاً. وسيظهر منّا من سيذكّرنا بما تعامينا عنه، وما أقفلت عقولنا عليه. فيرسم لنا الطريق الى النور، علّ قلوبنا تطيب، ونفوسنا تتّضع، فنرنو إلى الله حجّةً ومآل. كلّ ذلك بحكمة من الآب وبعناية منه.
 
 

 

        


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق