بارانويا الزمن الأوّل
في الزمن الأوّل
حيث الوعي على قدر المسؤوليّة، والمسؤوليّة على قدر السنّ الصغير لفحتني
"بارانويا" العظمة. أجمل ما فيها كان الحلم. وفي الحلم كنت قادراً،
عارفاً، مالكاً، أجذب الحسد نظرات من عيون الآخرين، المعجبين. وكنت أبسط يميني على
رؤوس العاجزين، مخلوقاتي، وابتسم لأنّي إله صغير. أطير بين القمم وأهوي. كنت
جبّاراً حتّى إنّي مشيت على القمر.
كان أكثر ما
يزعجني ضحكات الآخرين من أمنياتي الكاذبة، وأحلامي الطفوليّة، كما يقولون. كانت
ضحكاتهم- وهم الكبار- توقظني، تخرسني، تخجلني حتّى أنسحب لحلم جديد. ظالمون، قساة
ولأنّهم كذلك كان الحلم أشهى، وكان أقرب، وكنت سيّداً عليه فأحببته. أحببته كثيراً
ولم أحبّ الآخرين.
وهكذا عرفت
الكذب، وكان يتعبني. فأمام كل كذبة يقف شاكّ سلاحه أسئلة تندلق، تثير الجنون.
فأخاف على أكذوبتي وأهرب الى أخرى، الى شاكّ آخر، الى أسئلة جديدة، الى صراع آخر،
الى تعبٍ وعرقٍ وحيرةٍ واحمرار. هدفي أن أكون مختلفاً، فوق، يرفع الآخرين رؤوسهم
ليرونني، وأخفض رأسي لأراهم. لقد جرّعتني ال"بارانويا" من سائلها حتى
الثمالة .
ألآن أعلم سبب
خجلي من الكبار في ذلك الزمن. فهم كانوا يضحكون. فقط كانوا يضحكون. أذكر أنّه
عندما علم ناظر المدرسة من الرفاق بإحدى أكاذيبي الفضائيّة و"كيف مشيت على
القمر" ضحك، وضحكوا، ونظرت الى الأرض. أكثر ما يثقل على النفس، الخجل بعد
افتضاخ الكذب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق