الأحد، 14 سبتمبر 2014

إفتتاح ثانويّة بشرّي

 
 
 


أيّها الحضور ...

نعم ... هي لجنة جبران، كما تمّ ذكره، التي وهبت هذه الأرض لبناء هذه الثانويّة. الأمر بدأ منذ أربعين سنة تقريباً، وفي بداية الحرب اللبنانيّة في العام 1975، وتحديداً زمن اللجنة التي ترأّسها المرحوم البروفسور إميل جعجع. لقد رأت لجنة جبران الوطنيّة آنذاك أهميّة أن يكون في بشرّي ليس فقط ثانويّة، بل أيضاً مدرسة مهنيّة، فاستقدمت الآلات والتجهيزات الضروريّة لذلك من عدّة دول في أوروبأ. وكان العزم أن تنشأ هذه المدرسة – المهنيّة - في العقار التابع لها حيث مؤسّسة الرؤية العالميّة اليوم. لكن مستوعبات هذه التجهيزات التي تمّ استيرادها، تمّ أيضاً سرقتها من مرفأ بيروت إبّان الحرب المشؤومة، وكان هذا الفعل بداية المعاناة التي ستطول حتى هذه الأيّام.
وحدث أن أقرّت حكومة ذلك الزمن، تحديداً في العام 74، مشروع تجمع المدارس، فسارعت لجنة جبران لتقديم الأرض هنا حيث ثانويّة اليوم، والأرض هناك للمهنيّة على أن تقام كلّ من المدرستين وفق مشروع تجمّع المدارس المذكور. لكن المشروع نفسه ألغي فيما بعد لتطول المعاناة أكثر فأكثر.
وبعد أكثر من عشرين سنة، وتحديداً في العام 1999، أبدت وزارة التربية رغبتها في بناء المدرستين شرط تقديم الأرض هبةً ليصار إلى البناء، فما كان من اللجنة في وقتها، وكانت برئاسة الأستاذ فؤاد حنّا الضاهر، وهي التي لُدغت من الجحر مرّتين، أن طلبت الإطّلاع على الخرائط الهندسيّة المعدّة للمشروع، وكان قدّ جهّزها لوزارة التربية المهندس "سيزار عرنوق". وبعد الإطّلاع والموافقة، تمّ مسح العقارين هنا، 2556 و 2557 بإسم وزارة التربية من ضمن بروتوكول لإقامة الثانويّة المطلوبة. وكان ذلك في حزيران من العام 2000.
وككلّ المشاريع في زمن الحرب، خطى هذا المشروع بسرعة فائقة نحو الأدراج ليقفل عليه. وكان يجب ان ننتظر العام 2005 حيث جرت أوّل انتخابات نيابيّة بعد انسحاب الجيش السوري، وكذلك العام 2009، ليقوم سعادة نائبي بشرّي بفتح الأدراج المقفلة ونفض الغبار عن مشاريع كثيرة وغربلتها من جديد ثمّ إدراجها في استراتيجيّة إنماء شاملة بدأت منذ العام 2005. والأمر لم يكن من دون عقبات، فقد تمّ إلغاء مشروع بناء المهنيّة، فسعى النائبان إلى تحويل المبلغ المرصود لها لإتمام بناء الثانويّة التي نفتتحها معاً اليوم.

أيّها الحضور ...

ما كان القصد من هذا السرد التاريخي المختصر جدّاً أن نبرز معاناة ما أو أن نظهر الشعور بالقلق الذي كان ينتاب الجميع، بل لنؤكّد على أمر أساسيّ ولنفتح نافذة مستقبليّة. أمّا الأمر الذي أودّ التأكيد عليه، فهو أن لجان جبران المتعاقبة وحتى اللحظة كانت دائماً أمينة لوصيّة جبران نفسه. لقد أراد أن يكون ريع حقوقه الأدبيّة والفنّية لإنماء مدينته للخير العام، فكنّا جميعاً وما زلنا ملتزمين تلك الوصيّة. الثانويّة هذه هي للنفع والخير العام. أكثر من ذلك، إنّ كلّ الهيئات الإداريّة للجان جبران الوطنيّة تصبح فور تشكّلها جبرانيّة الهوى والنزعة. وعليه لقد عملت بما قاله لها وللملايين، أن "عندما تريدون أن تعطوا، أعطوا من قلبكم ونفسكم وروحكم، أعطوا حتى الوجع". ونحن أعطينا من قلبنا ونفسنا وروحنا عشرة آلاف وواحد وسبعين متراً مربّعاً لبناء الثانويّة.
أمّا ما هو بشأن النفاذة المستقبليّة التي ذكرتها سابقاً، فإنّي أريد أن أؤكّد، أنّنا في لجنة جبران ندرك أن هذه الثانويّة، ككلّ الثانويّات في لبنان، هي دار تعليم. ولكنّنا في الوقت نفسه ندرك وبشدّة أنّها أيضاً دار تربية وطنيّة. وشتّان ما بين الكلمتين. البعض منّا يذكر ولا شكّ، أنّه في زمن الحرب - حرب ال 75 – سال حبر أقلام بغزارة وكُتبت مقالات ودراسات بكثرة تتحدّث عن لبنان الجديد. وكان الكلّ متّفقاً على أنّ تنشأة جيل جديد على المعرفة والثقافة والحضارة والقيم والأخلاق والوطنيّة أمر يكاد يكون الوحيد الذي سيمكّننا من دخول لبنان الجديد الذي كنّا نحلم به ولا نزال. بعد أربعين سنة، إذ ننظر إلى الحال الذي نحن فيه في وطننا، لن نرى أنفسنا إلاّ على انقسام شديد، وطائفية حمقاء ومذهبيّة عمياء، وعلى بغضٍ وكراهيّة لبعضنا البعض. بعد أربعين سنة، لم ننشئ جيلاً جديداً، ولم نحصل على لبنان جديد.
نحن ندرك أنّ هذه الثانويّة وثانويّات لبنان كلّها هي دور تعليم وندرك أيضاً أنّها دور تربية وطنيّة. ولو عدنا إلى ما قبل الحرب في العام 75، البعض منّا يعرف أنّ أسئلة عصر النهضة، تلك التي طرحها كبار روّادها والخاصّة بحقوق الإنسان، ما زالت مطروحة حتى الآن ومن دون إجابات. إنّي أحدّثكم الآن وأمامي تمتثل صورة جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وعبد المسيح حدّاد ونسيب عريضة ووليم كاتسفليس، وأيضاً صورة مارون عبّود وإيليّا أبو ماضي والياس أبو شبكة ورئيف خوري والشاعر القروي، وأيضاً صورة أحمد فارس الشدياق والشيخ العلايلي وأيضاً الإمام الأوزاعي، كما تمتثل أمامي صورة النهضويّ الأوّل المعلّم بطرس البستاي وكلّ البساتنة الذين لحقوه واليازجيّين وأوّلهما إبراهيم اليازجي، وأسأل أين أيجابتنا على الأسئلة التي طرحها هؤلاء القمم؟ أيننا من حقوق المرأة، ومن حقوق الطفل، ومن الحريّات عامّة: حرّية المعتقد والتعبير والإختلاف الفكري؟ أيننا من العدالة وسيادة القانون؟ أيننا من حقّ التعليم والإستشفاء وغيرها ...؟
هذه الأسئلة طرحت منذ منتصف القرن التاسع عشر، منذ أكثر من مئة وخمسين سنة. وقد دخلنا القرن الواحد والعشرين من دون الإجابة عليها. السبب، أنّنا عملنا على التعليم أكثر ممّا عملنا على التربية الوطنيّة.
ولكنّنا في لبنان، أيّها الحضور، قد تآخينا مع الأمل ومع الرجاء. الأمل بأن الأمور ستصطلح في يوم ما. وعلى هذا الأمل نستمرّ جميعاً في هذا الوطن العزيز. وإذ كان الأمل موجوداً فلا يسعنا اليوم إلاّ أن نهنّئ الجميع بهذه الثانويّة، بشرّي أوّلاً بإسم سعادة نائبيها الكرام، ووزارة التربية بشخص معالي الوزير، ومجلس الإنماء والإعمار بشخص رئيسه، كما إدارة الثانويّة وهيئتها التعليميّة. وأفرد شكراً خاصّاً لرفاقي في لجنة جبران الوطنيّة وأردّد معهم ما يجب ترداده في هذه المناسبة، أنّ: "أمّا الزبد فيذهب جفاءً، وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
شكراً.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق