الأحد، 9 فبراير 2014

الأب فيليب شبيعة ... لات ساعة مندم


 
نشرت في الكتيّب الخاص به في الذكرى الأولى لوفاته

 
 


لات ساعة مندم

 
ما عرفت الرجل كمثل آخرين، وها أنا بفرح أكتب عنه !
 
ألمسألة أنّ اسمه على كلّ لسان، والألسن أجمعت على أنّ " بشرّي" كانت دائماً على لسانه. المسألة أذاً، أنّه أحبّ مدينته كما حلا لجبران أن يصف الحبّ يوم مولد هذا المحترم. فهو ما سجنها في قصيدة شعر. أحبّ طفلها وأباه، شبابها وطاقته، الطريق والحفر، الزواريب والاخبار ونبتة الحفافي. فأعطت محبّته ذاتها. أن يرحل هكذا رجل فخسارة بحجمه . أمّا أن تجد مثله اليوم فمسألة تضاف الى المسألة .
   
كم تمنّيت أن يكون عندي شهادة في هذا الكبير. كم تمنّيت لو بدأت ما أكتبه الآن بذكرى منه أو بحديث معه أو حتّى بقدّاس له أزعم أنّي حضرته. خاوية هي جعبتي من كلّ هذا. فكيف أتجاسر لأكتب، هكذا بكلّ وقاحة، عن رجلٍ أورث العلم لأجيال في بلدتي طيلة أربعة عقود وأنا لم أعرفه؟ حجّتي أن أكثر الذين كتبوا عن جبران لم يعرفوه. وأن الحديث عن هذا الأسقف بالذات أغرّ من سراب. وصْبابتي قد تروي وإن لم تكن غَيلاً. ثمّ إن عندي سببان :
كان سيادته يعي أن القلق للمجتمع جمود وأن الفرح فيه حركة تغيير مستمرّة. لهذا لبس جزمة "بابا نويل". إن انتعال هذا الحذاء الأسود الطويل ما كان بالأمر الهيّن في ذلك الوقت ولا هو هكذا الآن: اسألوا أولائك الذين يوزّعون هدايا اليوم سواء اتفقوا أم اختلفوا. وحده منذ ستّين سنة قام بالعمل. أراد فانطلق. وجسّد في انطلاقته ثقافة ما بعدها ثقافة. للّذين يغرقون في بحر النظريّات الثقافيّة أن يتذكّروا أنّ الرجل وهو دارس الفلسفة هنا وفي روما، لم يجلس في برجه العاجي بل ترك ليديه أن تفعل في مجتمعه فتنضح ثقافات.
شيء آخر .
 ما من شكّ أن هذا الجليل الراحل رغب في أن يخلق في مدينته جيلاً مترفّعاً عن الصراعات الرخيصة.  فكان له في كلّ نادٍ أو جمعيّة يدٌ مباركة، وفي كلّ مسيرةٍ قدم قائدٍ ثابتة. أراد أن يكون الجيل الطالع على يديه ناشطاً لخير مجتمعه، إذاً لذاته، مشغولاً عن سيناريوهات المتحلّقين حول نار الكوانين وعن حكي القرايا. إن كان ثمّة حركة اجتماعيّة وثقافية في بشرّي خلال العقود القليلة الماضية، فلهذا الجيل حقّ الإعتراف منّا بإقامتها . أجمل الأجمل أنّ الأب (دائماً أب وإن صار مطراناً) حلم ان تصبح بشرّي العائلات المتفرّقة، بشرّي العائلة الواحدة. إليك هذا الحالم الكبير ! والله لو اختصر العالم بلبنان ولبنان في بشرّي ولو سمح للشيطان أن يتغلغل في ثنايا الفكر على أنغام فأفآت لهيب نار الكوانين ، لقالت العقول أن الرجل يؤسّس لمذهبٍ هرطوقي جديد.
      ولكن ما لنا وللشياطين الآن ؟ نحن نتحدّث عن بارٍّ كاد أن يوزّع ريع حقوق "جبران" على عموم أهالي مدينته يوم كاد أن يصبح رئيساً للجنته الوطنيّة .
      ... ولات ساعة مندم .  


الد. طارق الشدياق
آذار 2002

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق