الجمعة، 8 مايو 2015

كلمتي في لقاء دبي الخاص بجبران وقلم مونتيغرابا




أيّها الحضور ...


أستأذنكم لأبدأ كلمتي بشكر شركة مونتيغرابا الإيطاليّة، بإسمي الشخصي وبإسم زملائي في لجنة جبران الوطنيّة، ليس فقط لأنّها استحدثت هذا القلم الجذّاب، الحامل كيفما نظرنا إليه رسماً لجبران، أو رمزاً يحاكيه، أو قولاً من إبداعاته، بل أيضاً لسببين إضافيّين: أوّلاً، لأنّها بهذا القلم وما يحمل إنّما تحثّنا جميعاً على التعرّف والتفكّر بهذا الرائد من روّاد نهضتنا العربيّة، بأفكاره الإجتماعيّة، والفلسفيّة، أو، ويجوز القول، بآرائه الإنسانيّة على الإطلاق، وقد لقّبه بعضهم بلقب "شكسبير العرب". وثانياً، لأنّها تجمعنا اليوم ههنا، على هذه الأرض الطيّبة، أرض الإمارات، والأحبّ الى قلوبنا جميعاً، وفي هذه المدينة العريقة بالذات، دبيّ، المشبعة تفاعلاً مع ثقافات كلّ العالم وحضاراته. وهي بذلك إنّما تحقّق الهدف الأوّل للجنة جبران الوطنيّة، والذي ما انفككنا نعمل بهديه، وهو هدف كيانيٌّ، وجوديٌّ، من دونه ما كان للجنة معنى، ولا كانت أهدافها الأخرى، ولا كانت لتتحلّى بالقدرة على الحفاظ على إرث جبران الأدبي والفنيّ الكبير، الذي خصّها به. أمّا الهدف فما هو إلاّ نشر فكر جبران في لبنان حيث مسقط رأسه، وفي الدول العربيّة حيث جذوره، وفي دول العالم حيث موطئ قدم الإنسان من أيّة جهة أتى ولأيّ مكان انتمى، والذي خبر جبران قدراته وأحلامه ومآله، فآمن بالمسيرة الإنسانيّة الواحدة المتّجهة حكماً الى النور.


وأستميحكم الإذن الآن لكي أطلعكم وباختصار شديد عن ماهيّة لجنة جبران الوطنيّة منذ تأسيسها، ودورها المتعدّد الإتّجاهات وأهدافها المترابطة وإن كانت متنوّعة.

لقد تأسّست لجنة جبران في العام 1934 من القرن الماضي، أيّ ثلاث سنوات بعد موت جبران. وانتخبت أوّل لجنة لها في ذلك الوقت من قبل أهالي مدينة بشرّي مسقط رأس جبران. وهي تكاد تكون اللجنة الوحيدة في العالم التي يتمّ انتخابها على طريقة انتخاب البلديّات في لبنان. وهذا يعني أنّها لا تملك لوائح انتخابيّة خاصة، أو منتسبين مسجّلين لديها، بل، كما في البلديّات، تعتمد على اللوائح الإنتخابيّة الرسميّة الصادرة عن المراجع الرسميّة المختصّة. وبهذا يكون كلّ أهالي بشرّي منتسبين حكماً في لجنة جبران. ويعني أيضاً، أنّها تتطوّر، تكبر، تتضخّم، بما يتناسب مع تطوّر مدينة بشرّي. (إن زاد عدد سكّان المدينة، ازداد حكماً عدد منتسبيها). ولكن ثمّة أمرٍ آخر، أكثر أهميّة من كلّ ما سبق، وهو أنّ كونها منتخبة من الأهالي فهي، كما كلّ هيئة تنتخب مباشرة من الشعب، تملك قوّتها التمثيليّة بذاتها، وهذا ما سيرتدّ إيجاباً على أعمالها وتحقيق أهدافها التي سأذكرها لاحقاً.

منذ تأسيسها، عملت لجان جبران المتعاقبة على حفظ وديعته الأدبيّة والفنّية لدينا، كما عملت على الإلتزام بوصيّته الصارمة من حيث استثمارنا لعائدات ريع هذه الوديعة في الخير العام. بهذا الإلتزام تمّ تصنيفنا في لبنان وفي خارجه على أنّنا لجنة لا تبغي الربح. فعندنا ما علّمنا إيّاه جبران، وهو أنّ المال كالحبّ يميت من يضنّ به ويحيي واهبه.

نملك ستّ بنايات نقدّم معظم شققها مجّاناً وعلى سبيل السماح لايّة مؤسّسة، أو جمعيّة، أو لجنة تعمل في الشأن الإجتماعيّ و/ أو الثقافي وتقدّم خدمات مفيدة للمجتمع. ونملك أكثر من أربعين ألف متر مربّع من الأملاك غير المبنيّة، قدمّنا منها عشرة آلاف متر مربّعٍ هبةً، لوزارة التربية اللبنانيّة بهدف إنشاء مدرسة ثانويّة رسميّة تمّت تسميتها بثانويّة جبران خليل جبران. وقدّمنا خمسة عشر ألف متر مربّع آخرى للوزارة نفسها لبناء مدرسة مهنيّة. ونحن مستعدّون لتقديم الباقي من الأملاك لكلّ مشروع إجتماعيّ مفيد.

وأنشأنا معهداً موسيقيّاً مجّانيّا، ومكتبةً تضمّ أكثر من عشرين ألف كتاب تكاد تشمل كلّ مؤلّفات الأدباء العرب منذ منتصف القرن التاسع عشر. وقد يكون أهمّ ما نملك، متحفاً يحوي إرث جبران الفنّي: أربع مئة وأربعون لوحة أصليّة له، وإرثه الأدبي: مخطوطات كتبه المنتشرة في كلّ العالم، وبعض من أشيائه الشخصيّة وقد استقدمناها من مسكنه في نيويورك، وأيضاً ... مدفنه الذي يضمّ رفاته منذ وفاته في المكان الذي رغب أن يدفن فيه بحسب وصيّته.

واضحة إذاً أهداف لجنة جبران الوطنيّة ...

- صيانة إرثه الأدبيّ والفنّي الكبير، وهي صيانة دائمة. وجلّها صيانةٌ للوحات فنّية يفوق عمرها المئة عام.

- نشر فكر جبران في لبنان والعالم. (المعارض، والندوات، والمحاضرات، والطاولات المستديرة، والمساعدة بالدراسات عنه، وبالأطروحات الجامعيّة الخاصّة به ....)

- تثبيت موقعنا في الخارطة الثقافيّة اللبنانيّة والعربيّة والعالميّة، ليس فقط تحت إسم جبران، بل وتحت أسماء كلّ روّاد نهضتنا.

- المساهمة الإجتماعيّة، إن عن طريق المساعدات الماليّة والمدرسيّة والإستشفائية، كما عن طريق المساعدة في التطوير السياحيّ والبيئي والثقافيّ عامةً، وكلّ ذلك بحسب وصيّته كما أشرنا سابقاً. وسنواصل العمل الى ما يشاء الله، وسنتقدّم وإن خطوة خطوة. فعندنا أنّ "ليس التقدّم بتحسين ما كان بل بالسير نحو ما سيكون".


أيّها الحضور، قد لا تكتمل كلمتي من دون الإشارة الى عالميّة جبران، وهو الأمر الذي قد يعرفه الكثيرون منكم. معلومٌ أنّ كتاب النبيّ ما يزال حتى الآن الكتاب الأكثر مبيعاً في الولايات المتّحدة الأميريكيّة وفي العالم. ومعلومٌ أيضاً أنّ جبران موجود في أكثر دول العالم، وقد يتجاوز عددها المئة، من خلال معالم ثابتة. وأعني بذلك، ساحات باسمه أو حدائق عامّة، أو نصب تذكاريّة، أو مدارس وكلّيات جامعيّة ... الخ. ولكن، وللأسف، هو ليس على هذه الحال في الدول العربيّة، بالرغم من أنّنا أكثر من يحتاج لوجوده، لدراسة رسالته الخالدة، لتطبيقها والأخذ بها. أقول هذا الكلام بأسى بالغ ذلك أنّ أوضاعنا في كلّ بلاد العرب تحتاج الى كلمة سلام ومحبّة وإخاء بشرّي. وإنّي أدعو بهذه المناسبة كلّ المعنيّين وخاصّة وزارات الثقافة والتربية العربيّة لإعادة النظر ببرامجهم لإدخال أفكار النهضويّين العرب، جبران والآخرين، والتفكّر برسالتهم والدعوة الى مجاراتهم في الرقي والثقافة.

في نهاية كلمتي إسمحوا لي أن أكرّر الشكر لمونتيغرابا وقلمها الجذّاب الحامل أشياء كثيرة من جبران ومنها رسومه وهو الذي لم يكن يوقّعها كلّها لسبب مميّز. لقد قال للسيّدة "ماري هاسكل" عندما سألته لماذا لا يوقّع كلّ رسوماته، قال: لأنّ كلّ من سينظر إلى رسومي سيعرف أنّها لي. قلم مونتيغرابا سيحمل بعضاً من هذه الرسوم. وأودّ أن أشكر كلّ المنظّمين وأخصّ بالذكر السيّد هيثم نصر لجهوده القيّمة ونبل أخلاقه وحسن معاملته. واسمحوا لي أيضاً أن أهنّئ أصحاب مسرحيّة البارحة، كاتبها السيّد صوالحة، وممثّليها، ومنتجها الصديق علي مطر الذي كان صلة الوصل ما بيننا وما بين مونتيغرابا.

للجميع كلّ الشكر، وللحضور إنحناءة المدين، وستبقى حماستنا بركاناً كما كانت ولن ينبت على قمّتها أعشاب التردّد. لأنّ قناعتنا هي في أنّ النهر يظلّ جادّاً نحو البحر إنكسر دولاب المطحنة أم لم ينكسر

وشكراً.


الدكتور طارق شدياق

رئيس لجنة جبران الوطنيّة

"دبي" – الإمارات العربيّة المتّحدة

19\4\2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق