الاثنين، 4 مايو 2015

جبران، النبي، و ,,, سلمى حايك. (مقابلة على تلفزيون الحرّة)


مقابلتي على تلفزيون "الحرّة" في برنامج "اليوم" .

 
هل فوجئت باعتداد سلمي حايك بأصولها اللبنانية؟

بصراحة نعم. لقد فوجئت بهذا "الاعتداد" ولكن من وجهة نظر إيجابيّة. وأعني بهذا أنّي سررت به، وانتابني ما يشبه الفخر للحظات. الإعتداد هذا يعني فيما يعنيه أمرين أساسيّين: محبّة أوّلاً ثمّ حنين. محبّتها للبنان تفترض أنّها تعرف لبنان جيّداً، تعرف تقاليده وعاداته وما يميّزه عن غيره من الدول من حيث ثقافته وحضارته المتراكمة عبر العصور. فالأمر الذي لا نعرفه لا يمكن أن نحبّه. أمّا حنينها فقد يمكن أنّها اكتسبته من حنين والدها وجدّها لوطنهم الأم. فلا بدّ يوم تعود بالذكرى لطفولتها أن تشعر بهذا الحنين. وأنا أعتقد أنّها تربّت عليه. نضيف الى كلّ ذلك إعتدادها أيضاً بجبران نفسه وبكتابه النبيّ الذي انتشر كما لم ينتشر أيّ كتاب آخر في الغرب كما في الشرق. جبران يمثّل لبنان الذي اعتدّت سلمى حايك بالرجوع إليه، وهو رمز للصورة الحضاريّة لهذا البلد الصغير بمساحته الجغرافيّة، والكبير بما قدّمه للعالم. ومعلوم أن إسم جبران في العالم مرتبط باسم وطنه الأم لبنان، والعكس صحيح. كلّ هذه الأمور مجموعة بعضها الى بعض تشير الى مدى معرفة سلمى بوطنها الأم ومدى اعتدادها بجذورها وهو الأمر الذي لم تخفِه أبداً.  إعتدادها بأصولها واضح وإن كان يحمل عنصر المفاجأة، سيّما وأن كثيرين منّا لا يفعل الأمر نفسه.



كيف برأيك أسهم هذا الفيلم في القاء المزيد من الاضواء على تجربة جبران وارثه؟

أحد أهدافنا في لجنة جبران الوطنيّة هو نشر فكر جبران في لبنان والعالم. ونحن نقوم بكلّ ما يمكن أن نقوم به تحقيقاً لهذا الهدف، من مثل إقامة المعارض أين مكان في العالم، أو استحداث المؤتمرات الخاصّة بحياة جبران وأعماله ... وكان آخرها في ولاية مريلاند في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ولكن ... قد تكون السينما هي أبلغ وأسرع طريقة لإيصال هذا الفكر، ولهذا وافقنا على إقامة الفيلم بعد مفاوضات لم تكن قصيرة نسبيّاً، للتأكّد من أن رسالة جبران في كتابه النبي ستبقى كما أرادها كاتبها أن تصل الى الجميع. وإذا اضفنا الى كلّ ذلك القيمة المضافة إليه، وأعني هنا سلمى حايك وليام نيسن وروجر أليرز، والمخرجين الآخرين وأبرزهم الصديق محمد سعيد حارِب من الإمارات، فلا بدّ أن الفيلم الذي قد يكون مدخلاً ودعوة للدخول في فكر جبران الواسع، الاجتماعي والفلسفي. أظنّ بأن فكر جبران سينتشر أكثر فأكثر من خلال هذا الفيلم في العالم سيّما وأنّه موجّه الى كلّ الناس بمختلف فئاتهم العمريّة. وسيتعرّف النشأ الجديد على جبران وقد يكون هذا أنبل الأهداف، لأنّ التوجّه الى جيل الشباب برسالة المحبّة والسلام والإخاء البشري وخاصّة في منطقتنا الشرق أوسطيّة أمرٌ بات ضروريّ في ظلّ تقاعس المؤسّسات التربويّة العربيّة عن القيام بهذا الأمر.



برايك لماذا شكل هذا الكتاب الاستثنائي لجبران منبعاً لإلهام القراء بكل اللغات جيلا بعد جيل؟

كتاب النبي لجبران يتناول موقف وحلّ من قضايا إجتماعيّة ثابتة في كلّ المجتمعات. هو يطرح إشكاليّات إنسانيّة وجوديّة يرى المرء نفسه دائماً في مواجهتها في كلّ زمان وفي كلّ مكان.  الكتاب مثلاً يتحدّث عن المحبّة، عن جوهرها، عن قوتّها الكامنة في ذاتها، فهي لا تأخذ ولا تعطي إلاّ من ذاتها. ويتحدّث عن الزواج وعن الأولاد بطريقة صادقة مع النفس، وهذا يعني أنّنا كلّنا سنقول نفس الكلام وسنشعر به إذا ما كنّا صادقين مع أنفسنا ... يتكلّم أيضاً عن أمور مختلفة من مثل الشرائع والقضاء والعطاء والتعليم والدين وصولاً الى الموت نفسه، ولكن بنظرة إنسانيّة غارقة في إنسانيّتها. لذلك وجد العالم، كلّ العالم، نفسه أمام قراءة إنسانيّة عميقة لهذه الإشكاليّات الدائمة ممّا بدا وكأنّه ثورة على الذات وعلى المفاهيم السائدة، فانتشر الكتاب في كلّ أصقاع الأرض وبيع منه أكثر من مئة مليون نسخة في العالم كلّه. وما زال الى اليوم الكتاب الأكثر مبيعاً بشهادة دور النشر المختلفة والموجودة في كلّ مكان من الشرق الأقصى الى الغرب الأقصى إذا جاز التعبير. المسألة تدخل الى العمق الإنساني بتأثير كبير يغيّر حتماً في طريقة العيش المجتمعي، والتفكير التقليدي بهذه المسائل. من هنا أهميّته وسبب انتشاره عالميّاً.
 

ماذا تريد أن تقول لمن لم  يشاهدوا او يطلعوا على كتب جبران ؟

أوّلاً أدعوهم للإطلاع على كتب جبران، على دخول هذا الفكر المنتشر في العالم. وقد تكون بداية هذا الدخول هو التعرّف على حياة جبران نفسه. ففي حياته الكثير من العبر والدروس التي أوصلت جبران لنشر فكره خاصّة في كتاب النبي. ثمّ أن يقرأوا كلّ كتبه ليتعرّفوا الى آرائه الإنسانيّة العامّة والتي قبلها العالم كلّه. حان الوقت ربّما لكي نتغيّر من داخلنا، لكي نتحوّل في طريقة تفكيرنا وعملنا. وأن ندرك أنّ كلّ فرد منّا هو قيمة بحدّ ذاته. إنّ جبران يحثّنا على ذلك. أيضاً أودّ أن أتوجّه وبمحبّة للمسؤولين عن الثقافة في دولنا العربيّة، وزارات الثقافة ووزارات التربية، أن يدخلوا جبران وربّما الكثير من أمثاله الى المنهج التربوي والثقافي عامّة، فنحن بأشدّ الحاجة الى هذه الأفكار الإنسانيّة في عصرنا اليوم، الى السلام والمحبّة والإخاء البشري.


هل يمكن ان يشكل هذا الفيلم مدخلا لتعاون بين الشرق والغرب لإنتاج افلام تسلط الاضواء على تراث المنطقة العربية الثقافي؟

هو هكذا فعلاً. إنّه مدخل أكيد لأفلام مستقبليّة تسلّط الظوء على ثقافة وتراث غنيّين، ترتكز عليهما المنطقة العربيّة. فيلم "النبي" لجبران ليس إلاّ بداية، والمنطقة غنيّة بالنهضويّين الذين أيقظوا الوعي والإدراك عند الشعوب العربيّة، ليتعرّفوا على حضارتهم التاريخيّة من جهة، ولكي يخرجوا من عصر الإنحطاط الذي امتدّ الى أكثر من ثلاثة قرون في الزمن من جهة أخرى. وفي هذا الصدد نحن في لجنة جبران الآن، نفاوض لإنتاج فيلم عن حياة جبران نفسه لما فيها من عبر ودروس. أملي كبير أن يكون هذا الفيلم فاتحة خير على الجميع من ناحية الإضاءة الثقافية والإعلاميّة على كنوز هذه المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق