الثلاثاء، 19 أغسطس 2014

رسالة إلى العذراء مريم


رسالة إلى العذراء مريم

 

ما من سنة تمضي إلاّ ونتذكّرك في أكثر الأوقات، في أكثر أيّام سنتنا: في الحبل بلا دنس وأنتِ الطفلة البريئة، في تهنئتكِ بالميلاد وأنتِ الأم الصغيرة، في ذكرى بشارتكِ وأنتِ الخاضعة للمشيئة الإلهيّة بفرح ما بعده فرح، في شهركِ نوّار وأنتِ الأم والسلطانة على السماء وعلى الأرض، في زمن ورديّتكِ وأنتِ الوردة السرّية القادرة على طرد الشرّ، في انتقالكِ إلى السماء لترين وجه حبيبكِ بعد طول انتظار، في يوم مولدك لتغيّري وجه العالم وتثبتي إنسانيّته، وفي أيّام صعوباتنا ومحننا الكثيرة، وبؤسنا ويأسنا المتعاظمين. وفي تذكّرنا هذا بتِّ تعلمين كلّ مخاوفنا، وطلباتنا، وآلامنا. ومع هذا، ما زال ثقل جهالتنا يرون علينا، وبلادتنا على أفعالنا، ولامبالاتنا على تحرّكنا. وما زلنا أغبياء معرفة ومعاقي فكر ومشلولي عمل. لقد كرّسنا لبناننا لكِ وقعدنا ننتظر تماماً كما تنابل كلّ زمن. أكثرنا من صلواتنا لكِ وقلنا في سرّنا "ها الكرة في مرماها الآن". خاملون وندّعي التعب. جاهلون وندّعي الفكر. فرّيسيّون ونعجب كيف لا تحفظي لنا الجميل. ورغم ذلك أسألكِ سماع بعض من اعترافات خاطئ، جاهل، خاملٍ هو الآخر، ولكنّه في سرّه ما زال يرفض اليأس والقنوط والإندثار.

نحن قوم لا نستطيع إجبار نوّابنا على انتخاب رئيس، ونوّابنا صورة عن بلادتنا. نحن غنم نسير وراء تيسٍ ولا نجرؤ حتى أن نسأله إلى أين يأخذنا. ولا نستطيع في الوقت نفسه إلاّ أن نسند حكومتنا المشلولة حتى لا تنفرط، ففي انفراطها تثبيت للمزرعة التي نحن فيها. نحن قوم لا جلد لنا في إعطاء الحقوق لأصحابها، فنحن فقط نهتمّ بالشؤون الكبيرة: الأزمة السورية، داعش، الهلال الشيعي ... وكلّ ما عدا ذلك فتات لا يستحقّ منّا الإهتمام. وفي الوقت نفسه، لا نستطيع أن نقنع المطالبين بحقوقهم بعدم حرق الدواليب، إذ يكفينا تلوّث الجوّ والمياه والأدوية والغذاء، فضلاً عن العقول وخاصّةً الإعلام. إعلامنا ساقط لأنّ للخبر ألف لون ولون، وكلّ لون يدّعي الإمساك بالحقيقة. ونحن قوم لا نستطيع حتى أن نقنع رجال الأمن أن لا يسمحوا بقطع الطرقات، فأكثرنا إن لم يصل إلى عمله لا تصل اللقمة إلى فمه وفم عائلته. فاسدون نحن ونحمي الفاسدين الذين يتحكّمون فينا. ونحن لا نستطيع إلاّ أن ننتظر الفرج لو يأتي من أيّ مكان، هكذا ببلادة من يتعاطى المخدّر وبجمود وصمت مستغربين.

ثمّ ندّعي حب الوطن ولا نرى أنّنا، حتى في حبّ الوطن، مراؤون خبثاء. نحن قوم تأبى كرامتنا أن نأتي بالمياه من تركيّا، ونبتسم للوزراء الذين تولّوا شؤون مياهنا وأوصلونا إلى هذا الشحّ الغريب. ونرضى بكلّ هدرٍ في مسألة الكهرباء ونعجب لعنتريّات الوزراء الذين امتشقوا السيف لمحاربة طواحين الهواء. ولا نجد سوى حلول انحطاط العصور الوسطى لمشاكلنا المستجدّة، فنغدق إفادات تربويّة حتى نبتعد عن المشاكل، ونمتنع عن تصحيح مسابقات الإمتحانات لأنّنا آلهة. نقبل الذلّ في أبسط حقوقنا "ونتعنتر" فقط على نسائنا باللعنات والإهانات وحتى بالضرب الحيوانيّ.

ولأنّنا هكذا فنحن كافرون بحقّ أنفسنا، كافرون بحقّ إلهنا إذ كيف ندّعي أبوّته ونحن إلى هذا الحدّ جاحدون. فيا مريم، خذي بيدنا لكي نثور على جهالتنا أوّلاً، على أنفسنا الخامدة، وثبّتي أقدامنا حتى نغيّر وجه وطنٍ أردناه واحة حريّة وعدالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق