السبت، 9 أغسطس 2014

إنكشافات من النافذة العرساليّة.


إنكشافات من النافذة العرساليّة.



هل كان لا بدّ للوضع في عرسال أن ينفجر حتى نتحقّق جميعاً من الوضع الغير سليم الذي نعيشه جميعاً في لبنان؟ والجواب حتماً لا لو كنّا نريد علاج وضعنا الآخذ بالإهتراء والذي نعرفه جيّداً جميعاً، إلى أيّة طائفةٍ أو فئةٍ أو حزبٍّ أو تيّارٍ أو ... خاصّة إنّ كنّا "وسطيّين" – مع إعتقادي الجازم أنّ كلمة "وسطيّ باتت "مقرفة" إلى حدّ بعيد -. نحن فقط نرغب في الإنتظار، إنتظار الآتي الذي لم يأتِ بعد. ومع هذا فإنّ لانفجار الوضع العرسالي إنكشافات لا بدّ من الإضاءةِ إلى أهمّها علّنا نعتبر. (مع الإعتذار إذا ما بدت الصراحة هنا وقحة إلى حدٍّ ما).

 

1 – إنّ العطف الشعبي للجيش اللبناني، الذي أبدته كلّ الطوائف، هو أمرٌ ثابتٌ وطنيٌّ، وهو معطى أكيد. فعند الكلّ في قرارة النفس أنّ الجيش هو وحده ضمانة للجميع، وعليه لا يمكن التفريط به. إنّ التعبير عن هذا العطف خاصّة على صفحات شبكات التواصل الإجتماعي شاهدة على الإلتفاف حول الجيش عند كلّ الطوائف، وإنّ التحرّك السياسي لمعالجة الوضع الإرسالي وخاصّة عن طريق هيئة العلماء المسلمين تصب هي الأخرى في هذا المعطى الأكيد. العطف هذا ثابتة، من الثوابت المتعدّدة، عند الجميع وخاصّة عند المسيحيّين، كلّ المسيحيّين، هم المنقسمين وعلى طرفيّ نقيض، ويكتسب عندهم نكهة مختلفة. هم لا يؤيّدون الجيش لأنّهم يريدونه في صفّهم لتنفيذ غاية استرتيجيّة، أو مأربِ مرحلي أو آنيّ ما، كما قد يمكن لغيرهم أن يفكّر، ولا لكي يحمون أنفسهم أو أتباعهم من كارثة قد تصيبهم كما قد يمكن لآخرين أن يفكّروا أيضاً، بل لأنّه ضمانة للبنان الذي ابتدعوه منارةً للحرّية والعدالة في منطقة تخلو من الحرّية والعدالة. لكلّ آخر غيرهم عمق يمكن أن يلجأ إليه،  تماماً كما كان للفلسطينيّين عمق لجأوا إليه، أمّا هم فليس لهم إلاّ هذه الأرض الصغيرة. والحال يكون الجيش بالنسبة لهم، بالرغم من كلّ الإختلافات في السياسة وفي الستراتيجيّة والتكتيك، ضمانة للبنانهم. فالمسيحيّون الموزَّعون تأييداً (فقط تأييداً) في ما يسمّى الصراع "السنّي – الشيعي" لا يرون من ضمانة لوجودهم ووجود لبنانهم سوى في الجيش. هذا الإنكشاف الأوّل من الوضع العرسالي يجب أن يؤخذ بعين الإعتبار من السنّة ومن الشيعة على وجه التحديد، وعلى حدّ سواء، فلا يغرّهم تأييداً من مسيحيّين هنا أو من مسيحيّين هناك.

 

2 – إنّ الطائفة السنّية الكريمة، أو – لنستعمل الكلمة الأكثر شيوعاً في الإعلام في هذه الفترة – الشارع السنّي، بأغلبيّة موصوفة، يشعر أنّه مغبون ومستهدف، والدولة عن هذا الأمر غائبة حتى لا نقول أنّها  تغضّ الطرف عنه. الصراحة تقتضي أن نقول، أنّ هذا الشارع يعتبر أنّ الدولة تكيل بمكيالين وأنّه حتى الجيش لا ينظر إليه بالعين التي ينظر بها إلى الطرف الآخر. (الطرف الآخر هنا هو الطرف الشيعيّ تحديداً). قد لا يكون الأمر مبرّراً أو صحيحاً لأنّ الجميع يعرف مناقبيّة ووطنيّة الجيش ولكن، هذا الشعور موجود وهو معطى آخر أكيد. للتذكير، أنّ واحد من أسباب إنقسام اللبنانيّين في الحرب التي اندلعت في العام 1975 كان الشعور بالغبن عند فريق والشعور بالخوف عند آخر. والحال، إنّ معالجة هذا الإحساس القابع في القلوب والعقول بات بحاجة إلى علاج سريع عن طريق لمّ الشمل اللبناني، وضمّ الكلّ إلى الدولة، الأمر الذي لم يحدث حتى اللحظة ممّا يشكّل نقطة سوداء عند كلّ السياسيّين، خاصّة الزعماء،  والمفترض أن يكونوا رجال دولة.

 

3 – صحيح أنّ سياسة النأي بالنفس، وهو الشعار الذي رفعته الحكومة السابقة، لم يطبّق من الفريقين المتخاصمين، وتحديداً من السنّة والشيعة فيهما، ولكنّ نأي لبنان عن الصراع المرير الدائر حوله موجود وثابت، وهو أيضاً معطى أكيد حتى اللحظة. هناك توافق دوليّ وإقليمي لتحييد الداخل اللبناني عن هذا الصراع. فداعش والنصرة ما كانتا لتنسحبا من عرسال لولا هذا التوافق. لا بدّ أن أمراً من راعيهما، وقد يكون لهما أكثر من راعي، قد صدر لهما بالتراجع وتصحيح خطوتهما الناقصة أو الخاطئة أو المنزلقة (faux pas) في عرسال. وإذا كان "من يعطي يأمر" فإنّ أمره يجب أن يطاع. معطى أكيد ولكن حتى اللحظة، لأنّ لا أحد يستطيع أن يضمن ثباته، وأن يعرف متى يمكن أن يتغيّر. والتغيير قد يحدث فجأة وقد تفرضه الأحداث. وعليه، تجدر الإستفادة من هذا المعطى الآن، بتحصين الداخل اللبناني باتّحاد الجميع حوله. وهذا يعني تبديد مخاوف الشارع السنّي والشيعي على حدّ سواء. فالشارعين ما عادا يثقان بالدولة، الأوّل بسبب ضعفه (من إمتلاك السلاح)، والثاني بسبب قوّته المفرطة (بإمتلاك السلاح).

 

4 – كشف الوضع العرسالي ضعف الدولة اللبنانيّة في تحصين الذات الوطنيّة. فهي لا تفعل سوى الإنتظار. إنتظار أن يحدث شيء ما، أن تتغيّر الظروف، أن تتدخّل الأمم، أن يصدر القرار ... الخ. وقد يكون أبرز مظاهر هذا الضعف، وربّما من أسبابه المباشرة، هو الخلاف المسيحيّ – المسيحيّ، وهو أيضاً معطى أكيد لا يجب التغافل عنه. هذا الخلاف أفقد المسيحيّين المبادرة لأيجاد حلول لأزمة رئاسة الجمهوريّة، وبالتالي للأزمة العامّة في لبنان حيث لا تلاقي ولا تفاهمات. لقد أصبح حلّ أزمة رئاسة الجمهورية مطلباً وطنيّاً عامّاً، ذلك أنّ الكلّ يدرك أنّ المسيحيّين قادرين إن وعوا أن يخفّفوا من وطأة الصراع السنّي – الشيعي في المنطقة على الداخل اللبناني. هذا الخلاف أصبح مسخرة لأنّه خلاف عبثيّ. فالتسابق على الرئاسة يعمي العيون عن رؤية الحقيقة التي يعيشها الوطن، ويغلق العقول عن التفكير في مستقبله. وطالب الولاية يمسي أعمى البصيرة فينفّذ كلّ ما يطلب منه. إنّ التخلّي عن الأنانيّات، وملاقاة الآخر في منتصف الطريق أصبح ضروريّاً لبقاء لبنان، وهو ليس "جميلاً" يحسب لآحد، ولا منّة من أحد.
9\8\2014
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق